Wednesday, February 11, 2009

قصة قصيرة /3

بيئتان متباعدتان
منزوية يراها على غير عادتها وفي ركن باهت من الحجرة متى أنهت واجباتها المنزلية من تنظيف، وغسيل، وطبخ، وترتيب ما استعمل البارحة ولم يوضع في المكان المخصص لاحتوائه حفاظا على المظهر الأنيق لعش الزوجية المؤسس من عهد حديث، انزواؤها بهذا الشكل المسيطرة عليه الكآبة لم يكن من شيمها في الماضي القريب، لقد تغيرت بالفعل منذ التحاقها للعيش معه في مدينة غير القرية التي عرفتها صبية. ويسألها في رقة وحنان
ــ ما دهاك يا خديجة ؟
ــ الصمت هنا يوهمني بالوحدة التي لا أطيقها أصلا. أين مني صياح الديوك مع كل فجر جديد؟، وخرير مياه الوادي القريبة ضفته من الربوة المقامة فوقها دارنا ؟ ، ونغم الناي الصداح بلحن معروف عازفه ؟ ، ونسوة يتصايحن وهن عائدات من رحلة جمع الحطب المنطلقة مع بزوغ خيوط النهار ؟ ، أين مني كل تلك الأشياء الجميلة الرائعة ؟؟؟
ــ والحل يا خديجة ؟
ــ لك بيئتك ولي بيئتي
ــ إذن هو الفراق ما تنوين ؟
ــ بالتي هي أحسن
ــ أبدا… لن أقبل أبدا
… وفي الغد وبينما هي غائبة نوعا ما مع تخيلاتها المرتبطة بالمحيط المشدودة إليه والذي تربت بين أحضانه تسمع خطوات زوجها ذات الوقع الرتيب متوجها نحوها متهالكا يبدو من شدة التعب وقلة النوم يجنح لنفس الأريكة ليلقي جسده فوقها عساه يغفو ساعة أو تزيد ليستعيد نشاطه كرجل البيت يأمر والمفروض أن يطاع، لكنها تدنو منه بغاية تكسير الصمت وخلق مناخ من المرح فتحاول التحقق من لون مقلتيه، يتركها تفعل، ومن عوارضه إن كانت كاملة العدد في فكيه العلوي كالسفلي، فيفتح لها فمه كما لم يفتحه من قبل، تتحسس شعر رأسه بكفيها الناعمتين لتتبين إن كان أملسا أم متجعدا، لا يضايقها ولو بحركة واحدة، وأخيرا تصفعه بشدة على خده المواجه لها مباشرة حتى سمع للضربة صدى تتماوج ذبذباتها لفترة وهي تتسارع في الولوج لكلتا أذنيه ولا تتوقف إلا بمشروع لكمة جمع لها كل قواه ليهوي بها على صدر خديجة زوجته فتسقطها أرضا ولا تمهلها على قيد الحياة إلا لتتفوه بالكلمات التالية
ــ الم أقل لك أننا معا من بيئتين متباعدتين
مصطفى منيغ

No comments: