Wednesday, February 11, 2009

قصة قصيرة 13

معا.. إلى البداية
أشياء تتراءى قدامي واضحة تماما كأن الأعوام التي مرت لحظات من عمر الزمن لم تأخذ الأحداث من رموزها ما ينسي الفكر أدق المعلومات، عواصف من الأحاسيس تجتاح الخاطر وقد كان ما كان لتتكرر المواقف من جديد وتلك فلسفة الحياة التي يعجز العقل دوما في الغوص إلى أعماق أسرارها. يبقى السؤال المحير: لماذا ؟؟.. وما من مجيب غير شريط من صور الماضي تحاول بها النفس الدفاع عما ارتضته من مواقف وهي تسير في خضم ما تفرضه هذه الدنيا من أساليب وأنماط عيش أقل ما يقال في حقها أنها العناء والألم والحرمان ولا شيء آخر على الإطلاق، ولو كان بمكان العين أن تضع خريطة لما رأته لضاقت كل المساحات على احتوائها ولا زالت ترى وتشاهد، ولو قدر لأذن واحدة أن تعيد ما سمعته لما استطاعت الإنسانية جمعاء أن تصغي دون أن يصيبها القنوط والندم… لا زالت هذه الأذن تسمع أمورا رغم بساطتها تكبر بكثير خيال أصفى العقول وأقدرها على التحليل والتركيز. ونبقى سائرين دون توقف وإن كنا لا نتحرك إلا حول محيطنا الذي نحلم أنه يتجدد ويتغير، والواقع أنه باقي كما كان منذ أدركنا أننا نتحرك، وسيبقى كما كان حتى يدرك الآخرون بعدنا أنهم يتحركون. نجلس صباح مساء لتغذية الحواس بما لذ وطاب ـ أو هكذا نظن ـ ولا يزيد ذلك فينا إلا التكهن بالإبحار نحو عوالم أخرى ولن نصل للأسف الشديد لأن الرحلة نبدأها من أي نقطة ونصل إلى البداية. ولا أحد يصدق أنه مهما أحرز الإنسان من غنائم مادية لا يحرز إلا على لحظة يتيمة يبتسم خلالها أو يبكي وينتهي كل شيء.
هكذا وقف " حميد " يحدثها وهي كاتمة لضحكة تخاف أن تخونها قوتها فتنفجر من أعماقها لتوقف الرجل عن حماسه المفرط هذا في التقاء النقط غير المفهومة لأمثالها. وكم دهشت حينما سمعته يقول
ــ تحاولين الهروب من الحقيقة بضحكة تتراقص أمواجها داخل صدرك تجاهدين في بسالة لتخفي ما قد تسببه لك من حرج، مسكينة أنت يا فتاتي، لو كنت مكانك لضحكت وربحت نفسي، فحينما نرخي العنان لأحاسيسنا نخفف عنها وطأة الألم حتى وإن كانت ما ذهبت إليه مثل ضحكتك المكتومة. أعلم أنني أخاطب السراب ولكن على الأقل أجد الشجاعة لذلك. فمتى تفهمين إذن ؟؟؟
تتحول الضحكة الملعونة في حناياها سوطا تشعر بضرباته القاسية تمزق أدق الخلايا في جسدها فتحاول الانصراف لكن شيئا يمسكها على البقاء بجانبه، قد يكون ذلك الشيء حبا أو عطفا أو مضيعة للوقت لا تدري، المهم أنها متمسكة به رغم مواقفه الشاذة تلك حتى وإن كانت كلمات يفوه بها. و أخيرا تجد نفسها في حاجة إلى البوح بما يخامرها من أفكار، بما تريد تبليغه إلى عقل الرجل الشاخص حيالها دون بلاغة، وبدون فلسفة أو انتقاء لما تعلمته على امتداد الأعوام الأخيرة من حياتها، يحس "حميد" بهذا كله فيتوقف، وفي ذلك علامة، إن لم نقل رخصة، لتجنح المرأة لما تريد
ــ يا صديقي… لم أخترك رفيقا من فراغ بل عن تؤدة، وروية، وتمعن، وتعقل. فكرت فيك الليالي الطوال، ورأيت فيك ما رأيت، وإياك أن تسألني الآن ما رأيت. أحيانا تغمرني السعادة لمجرد سماع خطبك المطولة التي تغنيني عن مطالعة الكتب الغالية الثمن، وأحيانا أحس بالتعاسة لأنني لم أستطع أن أصرفك عن هذه المهارات إلى شيء أكثر نفعا ومردودية ، وأحيانا أكاد أفقد توازني وأنت منزوي مع العمق الرهيب تبني القصور على الرمال وأمامنا ما هو أهم ، تحرك يا صديقي مع الموجة وكن عونا لنفسك قبل الآخرين، فإنك لن تقطع لن تقطع البحار سباحة، وإن حاولت لغرقت بمجرد قطعك أمتار معدودة
توقفت المرأة ، بل الدموع المتفجرة من مقلتيها أوقفتها عن الاستمرار. إنها تبكي في صمود ، في صمت ، وما أصعب على المرء أن يبكي في صكت ، أن يبكي بلا دموع ، فأي موقف يحث على الشفقة أكثر من هذا الموقف ، أما صديقنا "حميد" انطلقت من حنجرته قهقهة تقاذفت صداها جدران الحجرة الأربع لتصطدم مع عقل الفتاة فتحول دموعها إلى دموع جافة لا معنى لها ولا تأثير ، فلا تجد إلا مشاركته الضحك ، وهكذا يتحول منظريهما إلى حدث غريب لا يتكرر، وما هي إلا هنيئة حتى يتلاشى الصدى رويدا رويدا ليغيبا معا في تلاحم غير محسوس ، تنطفئ معه الأضواء من تلقاء نفسها، تاركان المجال لروحيهما أن تتمتعا بأجمل المقاييس الزمنية المحدودة للحياة ، وهكذا لا مجال للكلمات… يتبخر كل شيء… يسيطر الحلم الأرجواني ليقود دفة التحكم في كل شيء أيضا… هنا تغيب الفلسفة ويسيطر الواقع… وهنا بالذات يشعر الإنسان أنه إنسان حقا
ــ صياح الديوك ؟؟؟
يسأل "حميد" نفسه
ــ وما دخل صياح الديوك.. ما دخلها ؟؟؟
يفتح عينيه وبدهشة
ــ أه… لقد بددت الديوك الرؤية الجميلة
بتلقائية يرفع يده اليسرى ليرى أن الساعة متأخرة، وحلم البارحة حرمه من الاستيقاظ مبكرا. ودون تفكير يقفز من الفراش ليهيئ نفسه لاستقبال يوم جديد من العمل. لا يدري أي الطرق أخذها ليصل بهذه السرعة إلى مكتبه في الإدارة. لم يعبأ أصلا لتلك الضحكات وهي تتعالى من كل مخلوق يمر من أمامه… حتى إذا دخل المكتب وأغلق الباب خلفه رن جرس الهاتف، وكان المتحدث رئيسه يطالبه بالحضور وفورا لإلى مكتبه. وأمام هذا الأخير يجيب بأدب واحترام شديدين
ــ ماذا فعلت حتى تقابلني بهذه اللهجة وبهذا الأسلوب غير العادي ؟؟؟
يشير الرئيس إليه بإصبعه المتحرك صعودا ونزولا وهو يصيح
ــ هل نظرت إلى نفسك في المرآة ؟؟؟
ــ أبدا. ولما أفعل ؟
ــ لتتيقن أنك حظرت إلى الإدارة بلباس نومك
ــ لباس نومي… يا للهول… افتكرت… من الفراش إلى هنا رأسا…أنت على حق … لم أغير ملابسي… يا للمصيبة. العفو يا سيدي لن أكرر الفاعل أبدا. اعتذر لن أستطيع البقاء هنا وأنا على هذا الشكل المخزي … سأغيب حالا كي لا يتعطل العمل كلية في الإدارة
وقبل انسحابه شده كلام رئيسه حينما قال له
ــ انصرف بغير رجعة، وبما ان العملية كررتها أكثر من مرة فليس أمامي إلا إشعارك بأنك مفصول عن العمل ابتداء من هذه اللحظة
مصطفى منيغ

No comments: